هديُ النبيّ الأعظم في علاج الحزن والكرب والهم والغم
إن المصائب المختلفة التي تصيب الإنسان في دنياه، وكذلك الاضطرابات والانفعالات النفسية والمخاوف المختلفة التي تُسبب له أمراضًا كثيرة وخاصة أمراض الأعصاب، وكذلك همّ أمور المعيشة ومتطلبات الحياة المتزايدة، وما يرافقها من الديون المتراكمة في سبيل تأمين لقمة العيش ونفقة الزوجة والأهل والأولاد، كل هذه الظروف المعيشية الصعبة مع ما يصاحبها من مصائب مختلفة تقود إلى المخاوف والهموم والكروب والأحزان.
ولا يخفى علينا كما هو معروف عند الأطباء أن الكمد والحزن الشديد المكتوم في الفؤاد يُوهنان الجسد ويجرحان القلب، وكذلك الأحزان الشديدة المتراكمة تؤثر سلبًا على القلب والجسد وتُسبب للإنسان الكثير من الأمراض المستفحلة الخطيرة، وكذلك الاضطرابات النفسية والتوترات العصبية الناتجة عن تراكم الأحزان المكتومة في القلب هي مبدأ لأمراض عضوية كثيرة ناتجة عنها، وقد تكون خطيرة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر أمراض السكري والضغط وجلطات الدماغ التي تسبب الشلل بأنواعه المختلفة التي قد تُؤدي بحياة الإنسان إلى الموت، فقد يُصاب الإنسان بحزن شديد نتيجة مصيبة ألمَّت به في ماله أو جسده أو أهله أو بسبب فقد مال أو موت قريب أو عزيز عليه، مما يؤدي إلى إصابته بسكتة قلبية مفاجئة تؤدي بحياته، كما وإن الحزن والكمد يزيدان من إفراز مادة "الأدرينالين" من غدة الكظر "فوق الكلية" فيزيد هذا من الانفعالات النفسية ويقود إلى المضاعفات الخطيرة،وكذلك فإن الانفعالات النفسية الشديدة تُسبّب بعض الأمراض الجلدية البشعة، كما تهيج الانفعالات والاضطرابات النفسية أعصاب المعدة وتسبب قرحة المعدة، كما تسبب هذه الانفعالات والتوترات العصبية تغيرات في الأوعية الشعرية للعين التي تُخلفُ البياض المصحوب بضياع البصر.
ويبقى السؤال:هل لأمراض الهم والغم والكرب والحزن الناتجة عن شدة المصائب والانفعالات والاضطرابات النفسية من علاج ودواء على ضوء هدي نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته العطرة المباركة وما شرعه صلى الله عليه وسلم لأمته؟
والجواب: نعم، إنّ لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فهو صلى الله عليه وسلم قدوة لأمته.
لقد أرشدنا نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن خلال سيرته العطرة المباركة، ومن خلال إرشاداته وتعليماته العظيمة، ووصاياه النافعة لأمته إلى علاج الهم والغمّ والكرب والحزن.
فقد كان عليه الصلاة والسلام في سيرته الميمونة المباركة يذكر الله تعالى في جميع أحواله وأحيانه، وكان يلجأ إلى الله تعالى بالذكر والدعاء والصلاة عندما يهمُّهُ أمر ما أو يقع في كرب وشدة، فقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر [أي نزل به أمر مهم أو وقع في كرب] فزع إلى الصلاة. وقد قال الله تبارك وتعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة}.
وكان عليه الصلاة والسلام يقول عند الكرب والشدة ليعلّم أمته: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السموات وربُّ الأرض وربُّ العرش العظيم"رواه البخاري ومسلم.
وعن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أكربه أمر قال: "يا حيُّ يا قيوم برحمتك أستغيث"رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: سبحان الله العظيم، وإذا اجتهد في الدعاء قال: "يا حي يا قيوم" رواه الترمذي.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قومًا قال: "اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم، ونعوذُ بك من شرورهم"رواه أبو داود والنسائي.
ولقد علم النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أمته كيف يلجئون إلى الله تعالى بالذكر والدعاء والاستغفار والصلاة عند الكروب والشدائد، وعلّمهم ماذا يقولون عند الأحزان المؤلمة وعند الوقوع في الهموم والغموم أو الكروب والشدائد.
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "لقّنني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات، وأمرني إذا أصابني كرب أو شدة أن أقولهنّ: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحانه وتبارك الله رب العرش العظيم،الحمد لله رب العالمين" أخرجه ابن حبان.
وعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دعواتُ المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت"رواه أبو داود.
وعن أسماء بنت عُميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك كلماتٍ تقوليهنَّ عند الكرب –أو في الكرب-: "الله الله ربي لا أشرك به شيئًا".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يُقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة؟. فقال: هموم لزمتني وديونٌ يا رسول الله.
فقال صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همّك، وقضى دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزَنِ، وأعوذ بك من العجز والكسر وأعوذ بك من الجُبن والبخل، وأعوذ بك من غلبةِ الدين وقهر الرجال".
قال أبوأمامة رضي الله عنه: ففعلتُ ذلك، فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني" رواه أبو داود. ومن فوائد هذا الدعاء كما قال العلماء أن من داوم عليه يقوى قلبه أي يكسب جرأة ويُقضى عنه دينه ويذهب همه.
ومما علّم النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أمته أن يقرأوه من القرءان عند الوقوع في الكرب والشدة ءاية الكرسي وخواتيم سورة البقرة.
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ ءاية الكرسي وخواتيم سورة البقرة عند الكرب أغاثه الله عز وجل".
ومما ينفع لعلاج الحزن والهم أن نقول ما علّمنا إياه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب عبدًا همٌّ ولا حزَنٌ فقال: اللهم إني عبدك، ابنُ عبدك، ابنُ أمتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكمك، عدلٌ في قضائك، أسألك بكل اسم هو لك، سمّيتَ به نفسك، أوأنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرءان العظيم ربيع قلبي، ونورَ صدري، وجلاء حُزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمه، وأبدله مكانه فرحًا". ومعنى "ناصيتي بيدك" أي تتصرف فيّ كما تشاء، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الجوارح والأعضاء.
فوائد "لا حول ولا قوة إلا بالله" في علاج الهموم والغموم:
إنّ ملازمة كلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله" والإكثار منها ذات منافع كثيرة، فهذه الكلمة المباركة كنزٌ من كنوز الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أي في قولها والإكثار منها ثواب عظيم، وهي تنفع أيضًا لعلاج أمراض كثيرة منها الهم فقد قال النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: "لا حول ولا قوة إلا بالله تنفع لتسعين داء أقلها الهم".
ومما يروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كثُرت همومه وغمومه فليكثر منقول لا حول ولا قوة إلا بالله".
وقال العلماء إنّ ملازمة قول "لا حول ولاقوة إلا بالله" والإكثار منها ينفع كثيرًا لمن ابتلي بداء الوسوسة.
فوائد الاستغفار:
ومما ينفع لعلاج الهم والكرب وللخروج من الضيق والشدة ويساعد أيضًا في أمور الرزق كثرة الاستغفار وملازمته ليلاً ونهارًا.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب" رواه أبو داود.
كلمة نبي الله يونس صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والشدة:
ومما ينفع في علاج داء الكرب أيضًا ما دعا به نبي الله يونس عليه السلام ربه وهو مكروب في بطن الحوت عندما التقمه، حيث نادى يونس عليه الصلاة والسلام ودعا ربه وهو في ظلمات بطن الحوت قائلاً: {لا إله إلا أنتَ سبحانك إني كنت من الظالمين} فاستجاب الله تبارك وتعالى له ونجّاهُ من الغم الذي كانفيه.
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأعلمُ كلمة لا يقولها مكروبٌ إلا فُرِّجَ عنه: كلمة أخي يونس صلى الله عليه وسلم {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين}رواه الترمذي.
كثرة الصلاة على النبي علاج لداء الهم:
ومما أرشدنا إليه نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم في علاج داء الهم والغم الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فإنها مفتاح الخيرات والبركات وباب المبرات والسعادات وهي تكفي ونفع عند كل غُمَّة ومهمة،وتكشف كل فاقة ومدلهمة، وبها يغفر الله تبارك وتعالى الذنوب.
فعن الصحابي الجليل أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل فقام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة وجاء الموت بما فيه".
قلتُ: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي –[أيفي مجالسي الخاصة للدعاء]-.
قال صلى الله عليه وسلم: "ما شئت". قلتُ: الربع؟،قال صلى الله عليه وسلم: ما شئت فإن زدت فهو خيرٌ لك قلتُ: فالثلثين؟، قال: ما شئت فإن زدت فهو خيرٌ لك، قلتُ: أجعل لك صلاتي كلها. قال صلى الله عليه وسلم: "إذن تكفى همك، ويُغفر لك ذنبك"رواه الترمذي.
ما أعظم هدي النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم فيما أرشد إليه أمته مما ينفعهم في صحتهم ومعاشهم وءاخرتهم، وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم تنزيله: {وما ينطقُ عن الهوى إنْ هوَ إلا وحيٌ يُوحى} ويقول عز وجل لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: {وعلَّمكَ ما لم تكن تعلم وكان فضلُ الله عليك عظيما}.
وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
لا تنسونا بالدعاء