دلالة الناس على خالقهم ، ودعوتهم إليه ؛ من أَشرف الأَعمال ، وأَرفع العبادات ، وأبرز مهام الأنبياء والمصلحين ، وأَخصّ خصائص الرسلِ أجمعين ،
( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )[1] .
وكل أحد مطالب أن يجتهد استطاعته وإمكاناته في تعريف الناس بخالقهم ، وبالغاية التي خُلقوا من أجلها ، بحسب ما يتاح له من وسائل [URL="http://forum.ma3ali.net/t600077.html"]دعوية [/URL]، ليعيش الناس في هناءٍ وسعادة واستقرار ، فيأتي يوم القيامة وقد رُصدت له جبال من حسنات ترتقي به في جنات رب العالمين ، وتسعده في دنياه بإذن الله ،
( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ )[2].
جاء في سبب هذا الحديث أنه :
( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّى أُبْدِعَ بِى فَاحْمِلْنِى فَقَالَ : مَا عِنْدِى . فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ )[3] .
و الحديث فيه
" فَضِيلَة الدَّلَالَة عَلَى الْخَيْر وَالتَّنْبِيه عَلَيْهِ ، وَالْمُسَاعَدَة لِفَاعِلِهِ ، وَفِيهِ : فَضِيلَة تَعْلِيم الْعِلْم وَوَظَائِف الْعِبَادَات " [4] .
إنني إخوتي الكرام لستُ ممن يطالبكم بتحويل السفر إلى برامج عمل أخرى ( قد ) لا تتوافق مع السياحة والاستجمام المطلوبان في سفرك السياحي ، ولكنني أثق أن للدلالة على خالقك ومولاك أولوية قصوى في حياتك ، وأن دينك الحنيف قد انتشر بالسلوك الحسن الذي مارسه أتباعه ، بالدعوة بالقدوة وبالتي هي أحسن من قِبَل التجار والمهاجرين .
:: و الوسائل الدعوية كثيرة جداً ، أعرض
خمساً منها لمناسبتها لكل أحد بإذن الله
::* الدعوة بالقدوة والسلوك الحسن *
لكل منا رسالة ينبغي له أن يقوم بها ، ويوصلها للآخرين على الوجه الأكمل ، والمسافر كذلك ينبغي له أن ينشر رسالة حين سفره ، رسالة للآخرين تُعَبِّرُ عن قيمه وأخلاقه ، رسالة ليست بالكلام فقط ، بل بالسلوكيات والمنهج الذي يمارسه ويحافظ عليه .
إن مظهرك
أخي / أختي ومفرداتك وإيمانك بما تدعون إليه هم أول رُسُلٍ منكم إلى قلوب من تدعونهم وتختلطون بهم ، فإن استطاعت رُسلُكم الوصول إلى قلوب الأخرين ، كان تحقيق ما تريدون هيناً بحول الله وتوفيقه .
قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام وهو يدعو من معه في السجن إلى الله
(
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )
[5] ،
لنتأمل تلطفه معهم حيث جعلهم أصحاباً له في السجن بقوله (
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ) ، ولم يقل (
يا مساجين ) أو كلمة نحوها ، مع أن سبب دخوله السجن ليس كسبب دخولهم .
إنَّ (
الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ )
[6] ،
فإن رافقتها القدوة الحسنة ، والابتسامة الحانية ، كان ذلك أعظم وأبلغ وسائل الدعوة ، فالتقليد والمحاكاة غريزة في كيان الإنسان، يجد في أهل الفضل والخير والمعروف مُثُلاً عُليا، ونبراساً يُهتدى به .
هذا الإمام
أحمد رحمه الله يحضر درسه (
5000 ) طالب ، منهم (
500 ) يكتبون ، و (
4500 ) يستمعون ويتعلمون من سَمته وخُلقه وأدبه . فإن لغة الجسد أكثر تأثيراً من لغة اللسان ، فهي تمثل (
55 % ) من التأثير ، في حين أن الصوت يمثل (
38 % ) ، وتبقى الكلمات المنطوقة لتحتل (
7 % ) فقط .
إن مستويات الفهم للحديث يتفاوت من شخص لآخر ، لكن الجميع يستوون أمام الرؤية ، وسلوك الفتاة / و سلوك الشاب أنموذج حي ، أبلغ من ألف خطبة رنَّانة ومحاضرة بليغة ، الأخرين ينظرن إلى حسن خلقهم ، وطيب حديثهم ، وجمال مظهرهم ومخبرهم ، وحسن تعاملهم ، ومحافظتهم على شرائع ربهم .
وإذا بحثت عن التقيّ وجدتــ ...... ــه رجلا يُصدّق قوله بفِعالِ
تقول إحدى الأخوات : ( لم تكن والدتي كثيرة أمرٍ أو نهي ، لكن أفعالها تنطق بما تريد ، فما ذكرت أمراً إلا كانت هي أول من يسبق إليه ، و والله ما فَتحتُ عيناي من الليل ، إلا وأجد أمي تناجي ربها ، فتأصل في قلبي حب قيام الليل من فعل أمي )
[7] .
* توزيع شيء من البطاقات والكتيبات الدعوية الخفيفة *
كُتيبات وبطاقات لا تتجاوز حجم الكف ، ككتاب حصن المسلم ، أو بطاقة أذكار ما بعد الصلاة ، أو تلك التي تتحدث عن الإيمان بالله ، و عظمة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، و بر الوالدين وصلة الرحم ونحو ذلك ، بلغة أهل البلاد التي تزورنها ، تترك على مقعدك في المطعم أو في الحافلة أو في المنتزهات والاستراحات ، أو تهدونها إلى أحد ممن تلتقون هنا أو هناك ، أو تجعلونها في استقبال الفندق ؛ قد ينير الله به قلب أَمَةٍ لم تكن في حسبانك ، فالكتاب من أهم وسائل الدعوة إلى الخير ، إذ أنه يخاطب العقل والعاطفة معاً.
* زيارة الأماكن الخيرية والدعوية للشد من أزرهم *
يمكن أن يتضمن البرنامج السياحي زيارة للمراكز الخيرية والجهات الدعوية ، فإن فيها خير ودعم لهم كبير ، وشد من أزرهم ، وإعانة لهم على الخير .
* كُن مفتاح خير لمن معك *
ينبغي استغلال كل مناسبة للدلالة على الخير لدى أهلك ومن معك ، فحين رؤية جمال خلق الله مثلاً يمكن استذكار شيء من الآيات الكريمات ، أو الأحاديث النبوية المتعلقة بالتفكر في مخلوقات الله ، وحين الدخول إلى قرية أو بلد يتم التذكير بالدعاء الوارد ، ونحو ذلك ، يقول صلى الله عليه وسلم :
(
فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر و ويل لمن جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير )
[1] .
* المناصحة الفردية *
وهي مخاطبة المدعو منفردا عن الناس إذا كانت المسألة تخصه ،
(
أم محمد ) من السعودية فتاة تَتَّخذ من
الحجاب الساتر شعاراً لها ، تقول :
دخلتُ
أحد المجمعات في إحدى الدول الأوربية ،
ذهلتُ وأنا أرى بجواري امرأة في العقد الثالث من عمرها ، وقد كشفت عن
معظم جسدها حتى أنَّك لا تفرِّق بينها وبين بعض الفتيات
الكافرات المتحرِّرات ، الغريب أنها تتحدَّث العربية مع زميلة لها ، اقتربتُ منها ، وبابتسامة صادقة ،
رحَّبتُ بها ودعوت ، وبعد حوار يسير تبين أنها من بلاد المسلمين ، ووالدها
يأتي بهم كل صيف ، فيتركهم دون متابعة وعناية ، ليتفرَّغ هو لأعماله ، ذكَّرتها على
انفراد بمن تكون، فرأيت التأثر بادياً على محياها، و
وعدتني بأن تكون على خير بإذن الله .
و
داعية مسلم شهير سكن مدينة ميونخ الألمانية ، وجد عند مدخل المدينة لوحة كبيرة
مكتوب عليها بالألمانية (
أنت لا تعرف كفرات يوكوهاما ) ، فكانت الفكرة ! أقام هذا الداعية لوحة أخرى بجوار تلك اللوحة كتب عليها (
أنت لا تعرف الإسلام ، إن أردت معرفته فاتصل بنا على هاتف كذا وكذا ) وانهالت عليه الاتصالات من الألمان من كل حدب وصوب حتى
أسلم على يده في سنة واحدة قرابة ألف ألماني ما بين رجل وامرأة وأقام
مسجداً ومركزاً إسلامياً وداراً للتعليم .
و أخيراً ::
طوبى لمن يصدق فيهم قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :
(
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ )
[8].
[1] : سورة فصلت : 33 .
[2] : رواه مسلم .
[3] : رواه مسلم .
[4] : شرح النووي على مسلم رحمهما الله .
[5] : سورة يوسف .
[6] : رواه البخاري .
[7] : الدعوة بالقدوة الحسنة . أ.جوهرة اللحيد .
[1] : حديث حسن ، حديث رقم : ( 4108 ) في صحيح الجامع للألباني رحمه الله .
[8] : أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني رحمهما الله .
منقووول