عبادات إضــــافية للحــائض في رمضـــان
من الملاحَظ في مجتمع النساء حزن الكثيرات منهن حينما تأتي فترة الحيض في رمضان، ويكون الحزن أشدَّ والحسرة أقوى عندما تكون هذه الفترة في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم، بل إن البعض منهن يحاولن التحكم في عدم حدوث حيض لها في رمضان بتعاطي بعض الأدوية، وفي بعض الحالات لا تعطي هذه الأدوية مفعولها المطلوب، ولكنها تجعل النظام الهرموني للجسم يضطرب، فتكون هناك بعض قطرات من الدم في غير موعد الحيض مما يزيد من حيرة الأخت الحريصة على اغتنام الثواب الجزيل في رمضان وعدم حرمانها منه!
إن مشاعر حزن الحائض على فوات فرص عمل الطاعات مع جموع الطائعين يُعتبر شعورًا طبيعيًّا لدى عموم النساء، وهذا ما نستشفُّه من دموع السيدة عائشة- رضي الله عنها وأرضاها- التي انهمرت لهذا السبب.
فتعالَي يا أختاه ننظر كيف عالج رسولنا وحبيبنا محمد هذا الشعور، فقد ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول دخل عليها وهي تبكي فقال: "أنفستِ- يعني الحيضة-؟! قالت: نعم، قال: "هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي" (رواه مسلم في الحج).
إذن هو أمر كتبه الله علينا نحن- بنات آدم- وليس لنا إلا الرضا، وهو من أجلِّ العبادات القلبية حيث قال فيه العلماء: إن الرضا بالله ربًّا يتضمن الرضا بما أمر به سبحانه والرضا بما يقدِّره.
الرضا
فالرضا بما أمر الله به يعني أن نعبد الله سبحانه وتعالى كما أمرنا أن نفعل وليس كما نحب نحن أن
أختاه : أرِ الله من نفسك خيرًا في رمضان
نفعل، ألا تعلمين يا أختاه أنكِ بإفطارك في رمضان- بسبب الحيض- تكونين في عبادة لله؛ لأنه هو سبحانه الذي أمركِ بالصوم في غير أيام الحيض، وهو الذي أمركِ بالفطر في هذه الفترة؛ وذلك علمًا منه سبحانه بطبيعة جسم المرأة في هذه الفترة، وكما تعلمين أن من تصوم خلال فترة الحيض- مع علمها بالحكم الشرعي- تكون آثمة لأنها تخالف ما شرع الله لها في هذه الفترة.
أما الرضا بما قدَّره الله تعالى على عباده فيعني التسليم بما خلقنا وفطرنا الله عليه، وما كتب علينا في فترة الحيض، وقبوله بسكون قلبٍ وطمأنينة نفس، وهذه غير الأخرى التي تضطرب وتحزن وكأن هناك اعتراضًا على خلق الله لها على هذه الحالة، وتتمنى أن يكون حالها مثل حال الرجال.. قال تعالى: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (النساء: 32).
فإذا رضيتِ تمام الرضا يا أختاه فإنك تقومين بعبادة قلبية تتذوَّقين بها طعم الإيمان، ربما لا تحصل عليها كثيرات في فترة طهرهنَّ، بل ربما أيضًا تفوقين بعض الرجال.. قال رسول الله- -: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد- - نبيًّا ورسولاً" (رواه مسلم في الإيمان).
الشوق
هناك عبادة إضافية أخرى للحائض حينما تشتاق للوقوف مُصليةً بين يدي الله، وتشتاق لوردها القرآني، فهذه عبادة أخرى ربما تفوق بها البعض في حالة الطهر، وهي عبادة الشوق لعل الله يطلع على ما في قلبك من شوق لهذه العبادات فتكونين خيرًا من أخرى ترى فيها عبئًا ومشقةً، وربما تكون فَرْحةُ الأخت الأولى- بعد انتهاء حيضها بالعودة إلى مصلاها ومصحفها والتعلق به- شعورٌ خصَّ به الله سبحانه النساء على الرجال، فالحمد لله رب العالمين.
أين تكمن المشكلة؟
الاستماع إلى القرآن الكريم عبادة
ربما تكمن المشكلة في انفصال الأخت شعوريًّا عن روحانيات الشهر الكريم لعدم صيامها، في حين أنها في حالة الحيض ما زالت أبواب الجنة مفتحةً لها لأعمال الخير، وما زالت الملائكة تناديها: يا باغية الخير أقبلي، وإذا قامت بخصلة من خصال الخير كانت كمن قامت بفريضة فيما سواه، فالحائض يمكن أن تُري الله من نفسها خيرًا في أيام حيضها، كما هو حالها في باقي أيام الشهر الكريم، فتُكثر من ذكر الله والصلاة على النبي وسماع القرآن الكريم وقراءة كتب العلم وغير ذلك.
ذهب المفطرون اليوم بالأجر
ليكن شعارك يا أختاه في هذه الفترة "ذهب المفطرون اليوم بالأجر"، فعن أنس: كنا مع النبي في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حارّ، أكثرنا ظلاًّ صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، فسقط الصوَّام، وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله : "ذهب المفطرون اليوم بالأجر" (رواه البخاري ومسلم وغيرهما).
اذهبي يا أختاه إلى ساحة المسجد لمعاونة المصليات في أولادهنَّ، كوني في حاجة أخت صائمة، أقيمي ولائمك في هذه الفترة، فتحصلين على أجر إفطار الصائمين وأجر إطعام الطعام، اذهبي إلى عيادة مريض، صِلِي رحمَك أكثر، وقومي بأعمال منزلية تتطلب وقتًا وجهدًا بنية التفرُّغ للعبادة عند الطهر بإذن الله، فتؤجرين على هذه النية إن شاء الله.
كلمة أخيرة
حاولي أن تكوني قبل فترة الحيض في حالة نشاط في العبادة حتى يكتب الله لك أجر ما منعك منه الحيض من عبادات؛ فقد ورد عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله قال: "إذا مرض العبد المسلم أو سافر كُتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم" (رواه البخاري والبيهقي).
وهذه مزيَّةٌ أخرى لنا معاشر النساء، أن يكتب لنا أجرَ عباداتٍ رغم أننا لا نقوم بها، وهذا من فضل الله الحنَّان المنَّان الكريم، والحمد لله رب العالمين.