ويل لمن عرف مرارة الجزاء ثم اثر لذة المعصية
اعلم ان الجزاء بالمرصاد ان كانت حسنة او كانت سيئة
ومن الاغترار ان يظن المذنب اذا لم ير عقوبة انه قد سومح وربما جاءت العقوبة بعد مدة
وقل من فعل ذنبا الا وقوبل عليه قال عز وجل(مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)
هذا ادم عليه السلام اكل لقمة فقد عرفتم ما جرى عليه
قل وهب بن منبه اوحى الله تعالى اليه الم اصطنعك لنفسي واحللتك داري واسجدت لك ملائكتي فعصيت أمري ونسيت عهدي ؟
وعزتي لو ملأت الارض كلهم مثلك يعبدون ويسبحون في الليل والنهار ثم عصوني لا نزلتهم منازل العاصين
فنزع جبريل التاج عن راسه وحل ميكائيل الاكليل عن جبينه وجذب بناصيته فأهبط..
فبكى ادم ثلاث مائة عام على جبل الهند تجري دموعه في اودية جبالها فنبتت بتلك المدامع اشجار طيبكم هذا
وكذلك داود عليه السلام نظر نظرة فأوجبت عتابه وبكاءه الدائم حتى نبت العشب من دموعه.
وأما سليمان عليه السلام فإن قوما اختصموا اليه فكان هواه مع أحد الخصمين فعوقب وتغير في أعين الناس وكان يقول (أطعموني فلا يطعم)
واما يعقوب عليه السلام فانه يقال انه ذبح عجلا بين يدي امه فعوقب بفراق يوسف .
وأما يوسف عليه السلام فاخذ بالهم وكل واحد من اخوته ولد له اثنا عشر ولدا ونقص هو ولدا لتلك الهمة.
واما يونس عليه عليه السلام فخرج عن قومه بغير اذن فالتقمه الحوت.
ونظر بعض العباد شخصا مستحسنا فقال له شيخه ما هذا النظر؟؟ ستجد (غبه) فنسى القران بعد اربعين سنة.
وقال اخر قد عبت شخصا قد ذهب بعض اسنانه فانتثرت اسناني
ونظرت الى امرأة لاتحل فنظر الى زوجتي من لا اريد
وكان بعض العاقين ضرب اباه وسحبه الى مكان فقال الاب حسبك الى ههنا سحبت ابي.
وقال ابن سيرين عيرت رجلا بالافلاس فأفلست ومثل هذا كثير
ومن اعجب ما سمعت فيه عن الوزير ابن حصير الملقب- بالنظام _ان المقتفي غضب عليه وأمر بأن يؤخذ منه عشرة الاف دينار
فدخل عليه أهله محزونين وقالوا له من اين لك عشرة الاف دينار؟
فقال ما يؤخذ مني عشرة ولا خمسة ولا اربعة
قالوا من اين لك ؟ قال اني ظلمت رجلا فألزمته ثلاثة الاف فما يؤخذ مني اكثر منها
فلما ادى ثلاثة الاف دينار وقع الخليفة بأطلاقه ومسامحته في الباقي.
وأنا اقول عن نفسي ما نزلت بي افة أو غم او ضيق الا بزلل اعرفه حتى يمكنني ان اقول هذ بالشئ الفلاني
وربما تاولت فيه بعد فارى العقوبة
فينبغي للانسان ان يترقب جزاء الذنوب فقل ان يسلم منها
وليجتهد في التوبة فقد روي في الحديث لم أر شيئاً أحسن غلباً ولا أحسن إدراكاً من حسنة حديثة لذنب قديم
الراوي: ابن عباس المحدث: العقيلي - المصدر:الضعفاء الكبير - الصفحة أو الرقم: 4/174
خلاصة حكم المحدث: [فيه] مالك بن يحيى بن عمرو لا يتابع عليه قال البخاري في حديثه نظر
ومع التوبة يكون خائفا من المؤاخذة متوقعا لها فإن الله تعالى قد تاب على الانبياء عليهم الصلاة والسلام
وفي حديث الشفاعة يقول ادم ذنبي ويقول ابراهيم وموسى ذنبي
فأن قال قائل 00 قوله تعالى( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) خبر فهو يقتضي الا يجاوز عن مذنب وقد عرفنا التوبة والصفح عن الخاطئين
فالجواب من وجهين احدهما ان يحمل على من مات مصرا ولم يتب فإن التوبة تجب ما قبلها
والثاني أنه على اطلاقه, وهو الذي اختاره انا واستدل بالنقل والمعنى
اما النقل فإنه لما نزلت هذه الايه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قال غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ؟ ألست تحزن ؟ ألست تنكب ؟ أليس تصيبك اللأواء ؟ فذلك ما تجزون به لفظ يعلى لكن لم يقل ألست تنكب وفي رواية ابن عيينة أليس تصيبك اللأواء ؟ قال قلت بلى يا رسول الله قال فذاك بذاك
الراوي: أبو بكر الصديق المحدث:ابن حجر العسقلاني المصدر: الأمالي المطلقة - الصفحة أو الرقم: 78
خلاصة حكم المحدث: حسن
واما المعنى فإن المؤمن اذا تاب وندم كان أسفه على ذنبه في كل وقت أقوى من كل عقوبة
فالويل لمن عرف مرارة الجزاء الدائم ثم اثر لذة المعصية لحظة.
ابن الجوزي البغدادي
رحمه الله
منقول