الصفقة الرابحة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
أخي الحبيب:
ما من يوم يمر إلا ونحن نبيع ونشتري مع فلان أو فلان، فهلا فكرت يوماً أن تبيع وتشتري مع ربك؟
لعلك تقول وكيف السبيل إلى ذلك؟
نقول هذا سهل وميسور فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111)
ولكن انتبه!
إن المؤمن الذي باع، واشترى مع ربه -سبحانه- له أوصاف وصفات ذكرها الله -تعالى-، فلا يتبقى منك إن كنت صادقاً في إرادة عقد هذه الصفقة مع ربك إلا أن تسعى في تحقيق هذه الصفات التي بينها الله لنا في قوله -سبحانه-: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة:112)
ولتعلم أيها الحبيب:
أن هذه الصفقة لا تعقد إلا مع رجال لم ينشغلوا بالدنيا عن آخرتهم، ولم ينشغلوا بدنياهم عن ربهم خالقهم ورازقهم (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) (النور:36-37 )
أخي الحبيب:
إن كنت تسعى حقاً في إنقاذ رقبتك من النيران. وإن كنت تسعى جاداً أن تسكن الجنة.
فعليك أن تبادر إلى عقد هذه الصفقة كما دلنا عليها الملك الديَّان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف:10-11 )
أتدري ما الثمرة المرجوة من هذه الصفقة؟
(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف:12-13)
ولقد كانت الصحابة -رضي الله عنهم- يبايعون النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمثال هذه الصفقات، فهذا عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- يقول إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتون ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) فبايعناه على ذلك. البخاري/ كتاب الإيمان.
وانظر إلى هذا الصحابي الجليل جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- في مبايعته للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال بايعت رسول -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. رواه مسلم.
وانظر كيف وفى بهذه البيعة التي عقدها مع النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال الإمام النووي -رحمه الله-: أن جريراً أمر مولاه أن يشتري له فرساً فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه ليقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال ذلك إليك يا أبا عبد الله. فقال: فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة مائة وصاحبه يرضى وجرير يقول: فرسك خير من ذلك إلى أن بلغ ثمانمائة درهم فاشتراه بها، فقيل له في ذلك فقال: إني بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على النصح لكل مسلم.
فانظر كيف كانوا يصدقون ربهم في بيعهم وعهدهم، فوالله ما غرتهم الدنيا بزينتها فإنهم واله ما غفلوا عن طلب الآخرة فباعوا الدنيا رخيصة، ولم يرضوا بالجنة بديلاً.
ولقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مبيناً لنا حال الإنسان: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه مسلم.
فما منا من أحد إلا وهو يحمل نفسه لكي يقوم بطرحها للبيع، فما هي بضاعتك التي تلقى بها ربها ربك غداً.
أخي الحبيب:
هذه بضاعتنا التي نلقي بها ربنا: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) (فاطر:29)
أتدري ما هي ثمرة هذه الصفقة؟
قال -تعالى-: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر:30)
فلتسارع ولتبادر ولا تسبق فلا يسبقك أحد إلى ذلك.
أيها الحبيب: اختي الفاضله
ختاماً أقول لك:
أتدري ما معنى أنك بعت مع ربك؟
أي أنك قدمت النفس والمال في مقابل هذه الربحية المرصودة، ألا وهي الجنة.
ثم نقول أتدري ما معنى أنك عقدت صفقة مع ربك على أن تبذل له مالك؟
أي تكتسبه من طيب وتنفقه في طيب.
أو تدري ما معنى أنك عقدت صفقة مع ربك على أن تبذل له نفسك؟
أن كل أوقاتك ملك لربك فلا تصرفها إلا في محابة ومرضاته.
وبعد أيها الحبيب:
فلتتقدم لهذه الصفقة ولا تتخاذل ولا تتقاعس، وكن مع هذه الطائفة التي قال عنها ربك: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)(الأحزاب: من الآية23).