من أخطاء الحجاج والمعتمرين والزائرين
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ؛
فالحج والعُمرة من أفضل العبادات وأعظمها أجراً وثواباً ؛ حيث يغفر الله تعالى بهما ذنوب العبد ، و يُكفِّر عن خطاياه ، لما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله e قال : " العُمرة إلى العُمرة كفارةٌ لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة " ( البخاري ، الحديث رقم 1773، ص 351 ) .
كما أن زيارة المسجد النبوي في المدينة المنورة من الأعمال الصالحة المُستحبة للمسلم لعظيم أجر الصلاة في المسجد النبوي ، الذي ورد أن الصلاة فيه خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، لما صحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاةٌ في مسجدي هذا ، خيرُ من ألف صلاةٍ في غيره من المساجد ؛ إلا المسجد الحرام " ( رواه مسلم ، الحديث رقم 3375 ، ص 583 ) .
ولما يترتب على زيارة المسلم للمسجد النبوي من فرصة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه - رضي الله عنهما - والسلام عليهم ، وما في ذلك من الأجر والثواب .
وحيث إن هناك الكثير من الأخطاء والتجاوزات التي يقع فيها الحُجاج والمعتمرين والزائرين بقصدٍ منهم أو بغير قصد ؛ فإن من الواجب علينا جميعاً نشر التوعية الإسلامية الصحيحة لبيان هذه الأخطاء ، والتحذير من الوقوع فيها ، حتى يكون العمل مقبولاً ، والسعي مشكوراً - بإذن الله تعالى - ، وفيما يلي عرضٌ لبعض هذه الأخطاء التي منها على سبيل المثال لا الحصر :
= أخطاء تتعلق بالإحرام :
= تجاوز الميقات وعدم الإحرام منه ، وهذا خطأ يقع فيه كثير من الحجاج ، فعلى من تجاوز الميقات ولم يُحرَم أن يعود إلى الميقات مرةً أخرى ليُحرم منه ، أو ذبحُ فديةٍ بمكة المكرمة ، وتفريقها على فقراء الحرم ، ولا يأكل منها أو يهدي شيئاً .
= اعتقاد أن ركعتي الإحرام واجبة على المُحرِم ، وهذا غير صحيحٍ ؛ فليس هناك دليلٌ على وجوبها ، وإنما هي مستحبة .
= لبس النساء بعض الثياب التي فيها تشبهٌ بالرجال ، وهو أمرٌ منهيٌ عنه ؛ فالمرأة ليس لها لباسٌ خاصٌ بالإحرام ، كما هو الحال عند الرجال ، ثم لأن التشبه منهيٌ عنه مطلقاً ، لما صحَّ عن ابن عباسٍ ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 5885 ، ص 1036 ) .
= تعمد بعض الحُجاج الإحرام للحج من المسجد الحرام في اليوم الثامن من ذي الحجة ، وهذا غير صحيح ؛ فعلى الحاج أن يُحرِم من المكان الذي هو فيه بمكة اقتداءَ بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام الذين أحرم بعضهم من الأبطح .
= الاضطباع عند الإحرام ، ويُقصد به أن يكشف المحرم الإحرام عن كتفه اليمنى ، ويبقى كذلك إلى أن يحل من إحرامه ، وهذا خطأ شائعٌ عند كثير من الحجاج ، والصحيح أن كشف الإحرام عن الكتف اليمنى للمحرم وهو ما يُسمى ( الاضطباع ) مشروع في حالة طواف القدوم فقط ؛ فإذا فرغ منه أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف ، بأن يُغطي كتفيه بالإحرام ، ويكمل نسكه .
= الرَّملُ في أشواط الطواف كلها ؛ وهذا خطأ فالرَّملُ الذي يُقصد به إسراعُ المشي مع مقاربة الخطوات في الطواف ، لا يكون إلاَّ في الأشواط الثلاثة الأولى منه ؛ أما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمَّلٌ ، وإنما يمشي الطائف فيها مشياً عادياً لما صحَّ عن ابن عمرٍ - رضي الله عنهما - " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم ، فإنه يسعى ثلاثة أطواف ( أي أشواط ) ، ويمشي أربعاً، ثم يُصلي سجدتين "( رواه أبو داود ، الحديث رقم 1893 ، ص 289 ) .
= إهمال التلبية بعد الإحرام ، والصحيح أن على المحرمِ أن يُكثر من التلبية ، وأن يحافظ عليها حتى يرمي الحاج جمرة العقبة يوم النحر .
= اعتقاد البعض أنه لا يجوز له تغيير ملابس الإحرام أو تنظيفها ، وهذا من الأخطاء التي يقع فيها بعض الحُجاج ، والصحيح أن للحاج والمعتمر أن يغير لباس الإحرام وأن يغسله متى دعت الحاجة إلى ذلك .
= ظن البعض أن أي لباس لم يلبسه المحرم عند الإحرام لا يجوز له لبسه بعد ذلك ، وهذا خطأ ؛ فللحاج أن يلبس ما شاء ما لم يكن مخيطًا كالحذاء ، و الخاتم ، و الساعة ، و الحزام ، و النظارة ، ونحوها مما يحتاج إليه الإنسان .
= لبس القفازين في اليدين ، والانتقاب للمرأة المحرمة ، وهذا خطأ يقع فيه كثيرٌ من النساء ، والسُنَّة عدم لبسهما ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المُحرمة لا تنتقبُ ، ولا تلبسُ القُفّازين " ( رواه أبو داوود ، الحديث رقم 1825 ، ص 280 ) . وهنا تجدر الإشارة إلى أن على المرأة تغطيةُ وجهها عندما تكون بحضرة الرجال الأجانب ، وعند مخافة الفتنة .
= رفع بعض النساء أصواتهن بالتلبية ، لأن هذا مخالفٌ لما أورده بعض أهل العلم الذين استحبوا عدم رفع المرأة صوتها بالتلبية ؛ إلا بمقدار ما تسمع به نفسها .
= أخطاء تتعلق بالطواف :
= البدء بالطواف قبل محاذاة الحجر الأسود ، أو بدءاً من على مستوى باب الكعبة ، وهذا خطأ وغلو لأن السُنَّة بدء الطواف باستلام الحجر الأسود إن تمكن المسلم من ذلك أو الاكتفاء بالإشارة إليه فقط .
= عدم الطواف بالبيت كاملاً كأن يُطافُ بالكعبة وحدها ولا يُطاف بحِجر إسماعيل معها ؛ وهذا خطأ كبير ، فالحِجرُ جزءٌ من الكعبة ، ولا يصح الطواف بدونه ، ومن وقع في ذلك فعليه الإعادة .
= تقبيل الركن اليماني من الكعبة ، والسُنَّة مسحُه باليد اليمنى إن تيسر ذلك ، فإن لم يتيسر فعلى الطائف أن يمضي دون الإشارة إليه أو الوقوف عنده .
= المزاحمة والمشاتمة ورفع الصوت وربما إيذاءُ الغير من أجل تقبيل الحجر الأسود، وهذا أمرٌ مخالفٌ للسُنَّة النبوية وتعاليم الدين الحنيف ؛ فقد صحَّ عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 10 ، ص 5 ) .
= التمسح بالحجر الأسود أو التبرك به ، أو التمسح بحيطان وأركان الكعبة ، أو كسوتها ، أو بالمقام ونحوها . وهذا مُخالفٌ لسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يصح أنه مَسحَ سوى الركن اليماني باليد اليمنى ، والحجر الأسود من الكعبة عند استلامه .
= تخصيص كل شوط من أشواط الطواف أو السعي بدعاءٍ معين ، والاعتماد على ما يتداوله بعض الحجاج والمعتمرين من كتيباتٍ وأدعيةٍ لم يُنزل الله بها من سلطان ، ولم تثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، والصحيح أن على الحاج أو المعتمر الاشتغال في طوافه وسعيه بذكر الله سبحانه وتعالى ، أو تلاوة القرآن الكريم ، أو الدعاء الصالح لنفسه وللمسلمين ، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خصص دعاءً لكل شوط أو نحو ذلك ؛ سوى ما لما صحَّ عن عبد الله بن السائب عن أبيه - رضي الله عنهم – أنه قال : سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركن اليماني والحِجْر : " ربنا آتنا في الدنيا حسنةً ، وفي الآخرة حسنةً ، وقنا عذاب النار " ( رواه الحاكم ، ج 2 ، الحديث رقم 3098 ، ص 3042 ) .
= ترديد الأدعية الجماعية خلف من يدعو بشكلٍ مُزعجٍ ، وأصواتٍ مرتفعة ، تُذهب الخشوع ، وتُشوش على الطائفين ؛ إضافةً إلى أن في ذلك مخالفةً للسُنَّة ، فالمشروع أن يدعو كل شخص لنفسه ولمن شاء بدون رفع الصوت .
= الوقوف عند محاذاة الحجر الأسود والتكبير ثلاثًا ، وهذا خطأٌ شائعٌ ، ومدعاةٌ لحدوث الزحام في ذلك المكان ، ويترتب عليه تعطيل حركة الطواف ، والصحيح أن على الطائف أن يُكبر مرةً واحدةً وهو سائرٌ بدون وقوفٍ أو تعطيلٍ للآخرين .
= الإصرارُ على أداء ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام مع الإطالة في القراءة والركوع والسجود ، وهذا مخالفٌ للسُنَّة ؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم كما ثبت يُخففُ هاتين الركعتين خلف المقام ، ثم إن العلماء قد أفتوا بجواز أداء هاتين الركعتين في أي مكان من الحرم إذا كان الزحام شديداً .