أحكام تختص بها المرأة في الحج
علي بن ناصر العـدني
إنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنسْتَعِنُهُ، وَنَسْتْغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فَلا مُضِلّ لـَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
أما بعد :
فإن بين أيدينا مسائل تتعلق بالحج و اخترت أن تكون مسائل الحج تختص بالنساء وذلك لبعد كثير من أخواتنا عن مجالس أهل العلم ولأجل اشتغالهنَّ كثيراً في أمور البيت والخدمة فيه ؛بخلاف الرجال فإنهم أ قرب من النساء لأهل العلم في ذلك .
وقد سقت في هذه العجالة ما وقفت عليه من أحكام تختص بها المرأة في مناسك الحجِّ مشاركة مع إخواني في إتمام الفائدة في هذا المنتدى المبارك ،والفائدة ترجع لي، أولاً ثم لأخواتي ثانياً وللقراء عامة .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .
وقبل الشروع في ذكر المسائل ألفت النظر إلى فائدة تتعلق في الحج مما تجعله في منظرٍ شيق إلى من تتطلع نفسه ويتشوف قلبه لهذا المنسك ولهذه الشعيرة العظيمة ،وأبين أن إقبال الناس على الحج من غير منادي لهم من جميع آفاق العالم وأقطاره آية من آيات الله التي اختص بها أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام .
قال المفسرون عند قوله تعالى { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق }
قال القرطبي في تفسيره (12 / 38- 39) :
[ لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء الكعبة وقيل له أذن في الناس بالحج قال : يارب وما يبلغ صوتي قال : أذن وعلي الإبلاغ فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي قبيس وصاح يا أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار فحجوا فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء لبيك اللهم لبيك فمن أجاب يومئذ حج على قدر الإجابة إن أجاب مرة فمرة وإن أجاب مرتين فمرتين وجرت التلبية على ذلك .
قاله ابن عباس وابن جبير وروي عن أبي الطفيل قال: قال :لي ابن عباس أتدري ما كان أصل التلبية قلت لا قال: لما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج خفضت الجبال رءوسها ورفعت له القرى فنادى في الناس بالحج فأجابه كل شيء لبيك اللهم لبيك وقيل : إن الخطاب لإبراهيم عليه السلام تم عند قوله السجود ثم خاطب الله عز وجل محمدا عليه الصلاة والسلام فقال : ( وأذن في الناس بالحج ) :
أي أعلمهم أن عليهم الحج وقول ثالث : إن الخطاب من قوله أن لا تشرك مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا قول أهل النظر لأن القرآن أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم فكل ما فيه من المخاطبة فهي له إلا أن يدل دليل قاطع على غير ذلك وههنا دليل آخر يدل على أن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو لا تشرك بي بالتاء وهذه مخاطبة لمشاهد وإبراهيم عليه السلام غائب والمعنى على هذا وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت فجعلنا لك الدلائل على توحيد الله تعالى وعلى أن إبراهيم كان يعبد الله وحده وقرأ جمهور .
وقوله تعالى { يأتوك رجالا وعلى كل ضامر }
وعده إجابة الناس إلى حج البيت ما بين راجل وراكب وإنما قال يأتوك وإن كانوا يأتون الكعبة لأن المنادى إبراهيم فمن أتى الكعبة حاجا فكأنما أتى إبراهيم لأنه أجاب نداءه وفيه تشريف إبراهيم قال ابن عطية : رجالا جمع راجل مثل تاجر وتجار وصاحب وصحاب وقيل الرجال جمع رجل والرجل جمع راجل مثل تجار وتجر وتاجر وصحاب وصحب وصاحب وقد يقال في الجمع رجال بالتشديد مثل كافر وكفار].
تفسير الطبري ( 17 / 144)
أيها الناس بيت الله الحرام : يأتوك رجالا يقول: فإن الناس يأتون البيت الذي تأمرهم بحجه مشاة على أرجلهم وعلى كل ضامر يقول وركبانا على كل ضامر وهي الإبل المهازيل ، يأتين من كل فج عميق يقول: تأتي هذه الضوامر من كل فج عميق يقول من كل طريق ومكان ومسلك بعيد . وقيل يأتين فجمع لأنه أريد بكل ضامر النوق ومعنى الكل الجمع فلذلك قيل يأتين, وقد زعم الفراء أنه قليل في كلام العرب مررت على كل رجل قائمين قال وهو صواب وقول الله وعلى كل ضامر يأتين ينبئ عن صحة جوازه وذكر أن إبراهيم صلوات الله عليه لما أمره الله بالتأذين بالحج قام على مقامه فنادى يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا بيته العتيق .
وقد اختلف في صفة تأذين إبراهيم بذلك فقال بعضهم: نادى بذلك كما حدثنا ابن حميد قال ثنا جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ فنادى إبراهيم أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحجوا قال فسمعه ما بين السماء والأرض أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون حدثنا الحسن بن عرفة قال ثنا محمد بن فضيل بن غزوان الضبي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما بنى إبراهيم البيت أوحى الله إليه أن أذن في الناس بالحج قال فقال إبراهيم ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا وأمركم أن تحجوه فاستجاب له ما سمعه من شيء من حجر وشجر وأكمة أو تراب أو شيء لبيك اللهم لبيك حدثنا ابن حميد قال ثنا يحيى بن واضح قال ثنا ابن واقد عن أبي الزبير عن مجاهد عن ابن عباس قوله وأذن في الناس بالحج قال قام إبراهيم خليل الله على الحجر فنادى يا أيها الناس كتب عليكم الحج فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء فأجابه من آمن ممن سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك حدثنا محمد بن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا قال وقرت في قلب كل ذكر وأنثى .
حدثني ابن حميد قال ثنا حكام عن عمرو عن عطاء عن سعيد بن جبير قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت أوحى الله إليه أن أذن في الناس بالحج قال فخرج فنادى في الناس يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه فلم يسمعه يومئذ من إنس ولا جن ولا شجر ولا أكمة ولا تراب ولا جبل ولا ماء ولا شيء إلا قال لبيك اللهم لبيك قال ثنا حكام عن عنبسة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قام إبراهيم على المقام حين أمر أن يؤذن في الناس بالحج .
[color=darkred][ما اختصـت بـه الـمرأة دون الرجـل في أعمـال الحــج ] :-
1- مما اختصت به المرأة أنها لا تسافر وحدها في سفر إلا مع ذي محرم :-
قال ابن قدمة المقدسي في المغني ( 3/ 192-193) :
[ وحكم المرأة إذا كان لها محرم كحكم الرجل .
ظاهر هذا أن الحج لا يجب على المرأة التي لا محرم لها ، لأنه جعلها بالمحرم كالرجل في وجوب الحج ، فمن لا محرم لها لا تكون كالرجل فلا يجب عليها الحج وقد نص أحمد فقال أبو داود: قلت لأحمد امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل يجب عليها الحج ؟ قال : لا ,وقال : أيضاً المحرم من السبيل ،وهذا قول الحسن و النخعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي ،وعن أحمد أن المحرم من شرائط لزوم السعي دون الوجوب ،فمتى فاتها الحج بعد كمال الشرائط الخمس بموت أو مرض لا يرجى برؤه ، أخرج عنها حجة لأن شروط الحج المختصة به قد كملت ،وإنما المحرم لحفظها فهو كتخلية الطريق وإمكان المسير ،وعنه رواية ثالثة :أن المحرم ليس بشرط في الحج الواجب ، وقال الأثرم : سمعت أحمد يسأل : هل يكون الرجل محرماً لأم امرأته يخرجها إلى الحج ؟ فقال : أما في حجة الفريضة فأرجو لأنها تخرج إليها مع النساء ومع كل من أمنته ، وأما في غيرها فلا .
والمذهب الأول وعليه العمل ،وقال ابن سيرين زمالك والأوزاعي و الشافعي : ليس المحرم شرطاً في حجها بحال ،قال ابن سيرين : تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به.
وقال مالك : تخرج مع جماعة النساء ،وقال الشافعي : تخرج مع حرة مسلمة ثقة ،وقال الأوزاعي تخرج مع قوم عدول تتخذ سلماً تصعد عليه وتنزل ولا يقربها رجل إلا أنه يأخذ رأس البعير وتضع رجله على ذراعه .
قال ابن المنذر : تركوا القول بظاهر الحديث واشتراط كل واحد منهم شرطاً لا حجة معه عليه واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والرحلة .وقال لعدي بن حاتم :يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها لا تخاف إلا الله ،ولأنه سفر واجب فلم يشترط له المحرم كالمسلمة إذا تخاصت من أيدي الكفار.
ولنا ما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا ومعها ذو محرم )) وعن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم )) فقام رجل فقال : يا رسول الله إني كنت في غزوة كذا وانطلقت امرأتي حاجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( انطلق فاحجج مع امرأتك )) متفق عليهما . وروى ابن عمر وأبو سعيد نحوا من حديث أبي هريرة . قال أبو عبد الله : أما أبو هريرة فيقول يوماً وليلة . ويروى عن أبي هريرة لا تسافر سفراً أيضاً . وأما حديث أبي سعيد يقول : ثلاثة أيام ، قلت : ما تقول أنت ؟ قال : لا تسافر سفراً قليلاً ولا كثيراً إلا مع ذي محرم . وروى الدار قطني بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم )) وهذا صريح في الحكم ولأنها أنشأت سفراً في دار الإسلام فلم يجز بغير محرم كحج التطوع .
وحديثهم محمول على الرجل بدليل أنهم اشترطوا خروج غيرها معها ، فجعل ذلك الغير المحرم الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثنا أولى مما اشترطوه بالتحكم من غير دليل .
ويحتمل أنه أراد أن الزاد والراحلة يوجب الحج مع كمال بقية الشروط ، ولذلك اشترطوا تخلية الطريق وإمكان المسير وقضاء الدين ونفقة العيال واشترط مالك إمكان الثبوت على الراحلة ، وهي غير مذكورة في الحديث واشترط كل واحد منهم في محل النزاع شرطاً من عند نفسه لا من كتاب ولا من سنة ،فما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاشتراط ولو قدر التعارض فحديثنا أخص وأصح وأولى بالتقديم ، وحديث عدي يدل على وجود السفر لا على جوازه ، ولذلك لم يجز في غير الحج المفروض ولم يذكر فيه خروج غيرها معها ، وقد اشترطوا ههنا خروج غيرها معها . وأما الأسيرة إذا تخلصت من أيدي الكفار ، فإن سفرها سفر ضرورة لا يقاس عليه حالة الإختيار ، ولذلك تخرج فيه وحدها ، ولأنها تدفع ضرراً متيقناً بتحمل الضرر المتوهم فلا يلزم تحمل ذلك من غير ضرر أصلاً ] . أهـ
2- لا تلبس النقاب ولا القفازين ولا البرقع ولها أن تغطي وجهها تسدل عليه الثوب سدلاً تستتر به عن نظر الرجال:-
فعن ابن عمر أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تلبسوا القميص، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرنس ، ولا الخفاف ، إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين ،ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران ولا الورس . الحديث أخرجه البخاري (3/ 469) ومسلم ( 8/105)
قال ابن عبد البر في التمهيد ( 51/ 103-27) : وفي معنى ما ذكر في هذا الحديث من القمص و السراويلات و البرانس ، يدخل المخيط كله بأسره ، فلا يجوز لباس شيء منه للمحرم عند جميع أهل العلم ؛ وأجمعوا أن المراد بهذا الخطاب في اللباس المذكور الرجال دون النساء ، وأنه لا بأس للمرأة بلباس القميص والدروع والسراويل و الخمر و الخفاف ؛ وأجمعوا أن الطيب كله لا يجوز للمحرم أن يقربه متطيبا به زعفران أو غيره .
وأجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهها ، وروى عن النبي عليه السلام أنه نهى المرأة الحرام عن النقاب و القفازين .
ثم قال : وعلى كراهية النقاب للمرأة جمهور علماء المسلمين من الصحابة و التابعين ، ومن بعدهم من فقهاء الأمصار أجمعين ؛ لم يختلفوا في كراهية الانتقاب و التبرقع للمرأة المحرمة ، إلا شيء روي عن أسماء بنت أبي بكر ، أنها كانت نغطي وجهها وهي محرمة ؛ وروي عن عائشة أنها قالت تغطي المحرمة وجهها إن شاءت ن وقد روي عنها أنها لا تفعل وعليه الناس .
وأما القفازان ، فاختلفوا فيهما أيضاً ، فروي عن يعيد بن أبي وقاص ، أنه كان يلبِّس بناته وهن محرمات القفازين ، ورخصت فيهما عائشة أيضاً ؛ وبه قال : عطا والثوري ،ومحمد بن الحسن ، وهو أحد قولي الشافعي ؛ وقد يشبه أن يكون مذهب ابن عمر ، لأنه كان بقول : إحرام المرأة في وجهها .
وقال مالك : إن لبست المرأة القفازين افتدت ، وللشافعي قولان في ذلك ، أحدهما تفتدي ، والآخر لا شيء عليهما .
قال أبو عمر ابن عبد البر : الصواب عندي قول من نهى المرأة عن القفازين ، وأوجب عليها الفدية ، لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف بين العلماء بعد ما ذكرنا في انه جائز للمرأة المحرمة لباس القمص ،والخفاف ، والسراويلات وسائر الثياب التي لا طيب فيها ، وأنها ليست في ذلك كالرجل .
وأجمعوا أن إحرامها في وجهها دون رأسها ، وأنها تخمر رأسها وتستر شعرها وهي محرمة.
واستحبوا لها أن تستدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال إليها ، ولم يجيزوا لها تغطية وجهها وهي محرمة إلا ما ذكرنا عن أسماء .
روى مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر ، أنها قالت : كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق .
وقد يحتمل أن يكون ما روي عن أسماء في ذلك ما روي عن عائشة أنها قالت : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن محرمون ، فإذا مر بنا راكب سدلنا الثوب من قبل رؤوسنا وإذا جاوزنا الراكب رفعناة .
قال الحافظ في الفتح ( 3/ 474) :وقال ابن المنذر [ أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف كله ، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلاً تستتر به عن نظر الرجال ] ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت :
( كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر )) تعني جدتها ، قال : ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلاً كما جاء عن عائشة قالت : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بنا ركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات فإذا جاوزنا رفعناه ) انتهى .قال الحافظ : الحديث أخرجه هو (يعني ابن المنذر ) من طريق مجاهد عنها وفي إسناده ضعف .
تنبيــه : قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 466) : عند حديث عائشة ( كنا نضمخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا )) قال رحمه الله : فهذا صريح في بقاء عين الطيب ، ولا يقال إن ذلك خاص بالنساء لأنهم أجمعوا على أن الرجال و النساء سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين .
{ سنن المرأة في الحج التي وردت في قصة أسماء بنت عميس } : 3- قال شمس الدين بن القيم : وولدََتْ أسماء بنت عُميس زوجةُ أبي بكر رضي الله عنهما بذي الحُليفة محمد بن أبي بكر الصديق ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل ، وتستثفر ، بثوب وتحرم وتُهلَّ .
قلت : أخرجه مسلم في صحيحه (1218) في الحج باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله( تستثفر ) قال صاحب النهاية : هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطناً، وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها ،فتمنع بذلك سيل الدم .
قال ابن القيم : وكان في قصتها ثلاثُ سُنن :
إحداها : غسلُ المحرم .
الثانية : أن الحائضَ تغتسِل لإحرامها .
الثالثة : أن الإحرام يصحُّ من الحائض .
4- : رفع الصوت في التلبية خاص برجال ويخرجن النساء من جملة ظاهر الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم قال ( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال ) يريد أحدهما
قلت أخرجه أبو داود (4/18) والنسائي (5/ 172) والترمذي (829) وابن ماجة ( 2922) من حديث خلاد بن السائب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن عبد البر في التمهيد ( 17/239) : وأجمع العلماء على أن السنة في المرأة ، أن لا ترفع صوتها ، وإنما عليها أن تسمع نفسها ، فخرجت من جملة ظاهر الحديث، وخصت بذلك ، وبقي الحديث في الرجال .
قال الترمذي : (( وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبي عنها غيرها ، هي تلبي عن نفسها ، ويكره لها رفع الصوت بالتلبية . انظر حجة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني صـ51
5- وإذا حاضت المرأة أو نفست بعد إحرامها بالعمرة قبل أن تطوف بالبيت ولم تطهر حتى يوم التروية أحرمت بالحج من مكانها الذي هي مقيمة فيه ، وتعتبر قارنة بين الحج و العمرة ، وتفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وتغتسل ؛ لقول صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت ((أفعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) فإذا طهرت طافت بالبيت وبين الصفا والمروة طوافا واحدا ، وسعيا واحدا وأجزأها ذلك عن حجها وعمرتها جميعاً .
قال ابن القيم في الزاد ( 2/ 163) : وحديث عائشة هذا ، يؤخذ منه أصول عظيمة من أصول المناسك .
أحدها : اكتفاء القارن بطواف واحد وسعي واحد .
الثاني : سقوط طواف القدوم عن الحائض ، كما أن حديثَ صفيَّة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أصل في سقوط طواف الوداع عنها .
الثالث : أن إدخال الحجِّ على العمرة للحائض جائز ، كما يجوز للطاهر ن وأولى ، لأنها معذورة محتاجة إلى ذلك .
الرابع : أن الحائضَ تفعل أفعال الحجِّ كلها ، إلا إنها لا تطوف بالبيت .
6- وليس عليها في الطواف ،رمل في الأشواط الأولى ولا في السعي بين الصفا و المروة بين الميلين في الأشواط السبعة بإجماع :-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة ( 3 / 466) وفي الفتاوى (17/ 314)
فصل : وليس على النساء سعى بين العلمين ولا صعود على الصفا والمروة كما أنه ليس عليهن في الطواف رمل ولا اضطباع لأن المرأة مأمورة بالستر ما أمكن وفي رملها ورقيها تعرض لظهورها فإن فعلت ذلك .
7- وليس عليها استلام للركنيين .
قال أبو عمر في التمهيد (22/258) : الاستلام للرجال دون النساء عن عائشة ،وعطاء وغيرهما ،وعليه جماعة الفقهاء .